الدلالات السياسية لاتفاقيات مياه النيل2

السفير: يوسف فضل

لاشك في ان المتغيرات الدولية الحالية في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والتكنولوجية والديمقراطية تفرض على دول حوض النيل واقعاً جديداً ومتجدداً في دينمايكية سريعة التلون والتشكل في الامور التي تتعلق بالعولمة والتكنولوجيا والمعلومات والمعلوماتية ووسائل التعبير عن الحريات ونشاط منظمات المجتمع المدني ومنظمات الدفاع عن حقوق الانسان لذا فان على دول حوض النيل ان تضع كل هذه في الحسبان وعليها ان تواجهه كوحدة متماسكة ذات اهداف ومصالح مشتركة تتعلق بالمياه.
ان انشاء الطرق البينية بين دول الحوض وتشجيع التواصل والاستثمارات المتبادلة بين هذه الدول من شأنه ان يشجع التكامل بينها ويعين على تفادي الصدام والتوترات وتقوية الاحترام المتبادل بين دول الحوض.
في سبيل تحقيق استقرار دول حوض النيل، فلا بد لنا ان نسعى لتوافق في الرؤي وتوافق في المنافع في اطار التعاون الاقليمي ومراعاة العدالة في التوزيع وحسن ادارة المياه وترشيدها. علينا ان نعي ان المياه التي ترد الى النيل من السماء مقدارها1600 مليار من الامطار وايراد النيل منها هو فقط84 مليار متر مكعب هو نصيب الاستغلال التام لمياهه في اتفاقية مياه النيل لعام1959م بين مصر والسودان اذن فعليا ان نبحث عن الكيفية التي يمكن ان نستفيد بها من الفاقد الهائل الذي يهطل علينا من السماء وفي هذا الاطار فانني اري ان التفكير في انشاء قناة جونقلي لم يأت من فراغ. كما ان ضروروات الاستفادة من المياه غير المتجددة يجب ان يكون آخر الخيارات بالنظر الي ان جريان المياه المتجددة وبخاصة مياه الانهار والامطار اذا ما تمت الاستفادة القصوي منه فمن شأنه ان يقلل كثيراً من تفاقم ازمة المياه في المستقبل، بيد ان اهم ما يواجه العالم في الوقت الحاضر هو ازمة ادارة المياه فاذا نظرنا الى خارطة العالم المائية نجد ان هناك262 نهراً بالعالم59 من هذه الانهار يوجد بافريقيا و52 في فى اسيا و73 في اوروبا و61 في امريكا اللاتينية والدول الكاريبية و17 في امريكا الشمالية تقع145 دولة في اراضي تتقاسم فيها المياه من حوض نهر مشترك مع دولة اخرى وبين عامي 1948م و1999م سجلت1831حالة اختلاف وتجاذب بين الدول حول مياه الانهار المشتركة منها 507 حالة وصلت الى حد الصراع و96 حالة محايدة و228 حالة من التعاون اذن فان حالات الصراع هي السائدة ولابد من ايجاد سبيل لدرئها والحل الوحيد هو ضرورة الاعتماد على التعاون الاقليمي وحسن الجوار والمنافع المتبادلة وقد برز لنا هذا جليا في اتفاقية اقتسام مياه الهندوس ومنظمة تنمية مياه نهر السنغال ومفوضية نهر الميكونج.
ان الدلالات السياسية لاتفاقيات مياه النيل لاتنطوي على مفهوم جامد، ولا على مشاعر عاطفية، بل اطر قانونية واستراتيجيات سياسية واقتصادية وتجارية اقتضتها ضرورات تاريخية، ترتبط بحياة الانسان، ومصالح دولية ومحلية واقليمية ترتبت عليها مشروعات تعتمد على استغلال مياه النيل للانتاج الزراعي والحيواني، اصبحت تشكل على مدى التاريخ مصادر منافع للدول وللافراد وعليه فان الناتج الطبيعي لهذه الاتفاقيات يرتبط بالمصالح الوطنية وحياة الانسان على ضفاف النيل اينما كان اذن فلابد ان تساس بحكمة وروية، وان ينظر اليها كأساس لتأطير النظام القانوني لمياه النيل. ولطالما ان هذه الاتفاقيات اصبحت واقعاً معاشاً ترتبت عليها اعمال ثابتة وملموسة على ارض الواقع، فان الوقوف ضدها يشكل جنحة قانونية لايساندها القانون الدولي، ولا يساندها الموروث الانساني، وعلينا ان نتعامل معها كجزء من التراث الذي خلفه لنا الماضي نستند عليه ونطوره لكي يتلاءم مع واقعنا المعاش ونوظفه لمصلحتنا الجماعية في اطار التعاون الاقليمي وتبادل المنافع والاستغلال الامثل لمياه النيل

.