الملتقى الحر للسودانيين بالكويت
الملتقى الحر يرحب بك ويتمنى لك يوما سعيدا
يرجى تسجيل دخول لمشاهدة المنتدى كاملا وامكان المشاركة بالكتابة والتعليق
الملتقى الحر للسودانيين بالكويت
الملتقى الحر يرحب بك ويتمنى لك يوما سعيدا
يرجى تسجيل دخول لمشاهدة المنتدى كاملا وامكان المشاركة بالكتابة والتعليق
الملتقى الحر للسودانيين بالكويت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الملتقى الحر للسودانيين بالكويت

مساحة لطرح ومناقشة قضايا وهموم أبناء الجالية بكل حرية وصراحة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب ( المستقبل لهذا الدين 2) لسيد قطب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مصطفى يوسف فضل
عضو نشط
عضو نشط



عدد الرسائل : 588
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

كتاب ( المستقبل لهذا الدين 2) لسيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: كتاب ( المستقبل لهذا الدين 2) لسيد قطب   كتاب ( المستقبل لهذا الدين 2) لسيد قطب I_icon_minitimeالإثنين 5 نوفمبر - 14:30

كما يقع التواؤم والتناسق بين ضميرهم وواقعهم؛ وبين وجدانهم ونشاطهم؛ وبين حركتهم ونواميس الكون أيضاً..
وجاء كل دين من عند الله لينفذ في الدنيا الواقع، وليتبعه الناس في نشاطهم الحيوي كله، لا ليبقى مجرد شعور وجداني قابع في ضمائرهم. ولا مجرد تهذيب روحي في أخلاقهم. ولا مجرد شعائر تعبدية في محاريبهم ومساجدهم؛ ولا مجرد أحوال شخصية في جانب واحد من حياتهم: "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله"..
[النساء: 64]
* * *
وهكذا جاءت التوراة تتضمن عقيدة وشريعة، وكلف أهلها أن يتحاكموا إليها في كل شؤون حياتهم؛ لا أن يجعلوها مواعظ تهذيبية لا تتجاوز وجدانهم، ولا شعائر تعبدية يقيمونها في هياكلهم:
"إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور. يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا، والربانيون والاحبار، بما استحفظوا من كتاب الله، وكانوا عليه شهداء، فلا تخشوا الناس واخشون، ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون. وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالاذن، والسن بالسن، والجروح قصاص. فمن تصدق به فهو كفارة له. ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون".
[المائدة:44-45]
وهذا الذي ذكره القرآن من شريعة التوراة مثل للكثير الذي تحتويه، والذي نظم به موسى-عليه السلام- ومن بعده أنبياء بني إسرائيل حياتهم الواقعية عدة قرون.
ثم جاء المسيح-عليه السلام- بالنصرانية.. أرسله الله إلى بني إسرائيل -فهو أحد أنبيائهم- ومن ثم جاء مصدقاً لشريعة التوراة- مع بعض تعديلات خفيفة، لرفع بعض الأثقال التي فرضت عليهم في صورة عقوبات تأديبية، او كفارات عن معصية؛ كالذي أشار إليه القرآن الكريم:
"وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر. ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها-إلا ما حملت ظهورهما او الحوايا او ما اختلط بعظم- ذلك جزيناهم ببغيهم، وإنا لصادقون"..
[الأنعام:146]
وقد أقرت هذه الشريعة المعدلة لتكون نظاما للحكم والحياة أيضاً:
"وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم، مصدقاً لما بين يديه من التوراة، وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور، ومصدقاً لما بين يديه من التوراة، وهدى وموعظة للمتقين. وليحكم أهل الإنجيل بما انزل الله فيه. ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون".
[المائدة:46-47]
ثم جاء محمد-صلى الله عليه وسلم- بالاسلام، لا ينقض الشرائع السماوية الصحيحة قبله،ولكن يصدقها، ويهيمن عليها. بما انه الرسالة الأخيرة الشاملة للبشرية كافة، المعلنة عن الرشد الانساني، المتضمنة للتفسير الواسع الكلي، الذي يقوم عليه نظام الحياة الإنسانية، الذي يخرج الناس من (الجاهلية) إلى (الربانية) ويكل واقعهم إلى شريعة الله، كما يكل ضمائرهم إلى تقوى الله:
"وأنزلنا إليك الكتاب بالحق، مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه.. فاحكم بينهم بما انزل الله، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق. لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً.ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم. فاستبقوا الخيرات. إلى الله مرجعكم جميعاً، فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون.. وان احكم بينهم بما انزل الله؛ ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما انزل الله إليك. فإن تولوا فاعلم إنما يريد الله إنَّ يصيبهم ببعض ذنوبهم. وان كثيراً من الناس لفاسقون.. أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن احسن من الله حكماً لقوم يوقنون".
[المائدة:48-50]
ومن قبل هذه الديانات الرئيسية جاء كل دين ليرد الناس إلى ربوبية الله وحده؛ والى منهج الله وحده.. ومنذ نوح-عليه السلام- توالت الرسل على هذا المنهج الواحد، يختلف في تفصيلات الشريعة ويتفق في اصل التصور؛ وفي الغاية الأساسية الكبرى؛ وهي: إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله دون سواه. وإبطال الألوهيات والربوبيات الزائفة ورد الألوهية والربوبية إلى الله دون سواه..
وفي موضع آخر يُجمل القرآن الكريم هذه الحقيقة.. ويبين طبيعة ذلك المنهج الواحد الموصول بالله. بما ان الله هو خالق الكون والناس، وبيده مقاليد الكون والناس؛ ويبين كذلك مقام هذا الدين الأخير، وسبب مجيئه مهيمناً على الجميع، ويعلن المفاصلة بين أهل هذا الدين، وسائر الجاهليين:
"وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله. ذلكم الله ربي، عليه توكلت، واليه أنيب. فاطر السموات والأرض، جعل لكم من أنفسكم أزواجاً، ومن الأنعام ازواجاً، يذرؤكم فيه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. له مقاليد السماوات والأرض،يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، إنه بكل شيء عليم. شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى: أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه. كبر على المشركين ما تدعوهم إليه. الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب. وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم، بغياً بينهم، ولولا كلمة سبقت من ربك إلى اجل مسمى لقضي بينهم. وان الذين أوتوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب.. فلذلك فادع واستقم كما امرت، ولا تتبع أهواءهم. وقل: آمنت بما انزل الله من الكتاب، وأمرت لأعدل بينكم . الله ربنا وربكم. لنا أعمالنا ولكم أعمالكم. لا حجة بيننا وبينكم. الله يجمع بيننا واليه المصير".
[الشورى:10-15]
وفيما يروي لنا القرآن عن شعيب-عليه السلام-وعن قومه، أهل مدين، يرد ذكر التشريع للحياة العملية، واعتراض القوم عليه، لعدم إدراكهم طبيعة الدين: وانه منهج للحياة شامل، لا للضمير المكنون وحده، ولا للشعائر التعبدية في الهياكل-شأنهم شأن أهل الجاهلية الحاضرة سواء!:
"والى مدين أخاهم شعيباً. قال: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره؛ ولا تنقصوا المكيال والميزان. أني أراكم بخير، وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط. ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين، وما انا عليكم بحفيظ.. قالوا: يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء؟ انك لأنت الحليم الرشيد..!".
[هود:84-87]
كذلك تبدو تلك الحقيقة في حكاية القرآن الكريم لقول صالح-عليه السلام-لقومه:
"فاتقوا الله وأطيعون. ولا تطيعوا أمر المسرفين. الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون"..
[الشعراء:150-152]
فهو يردهم إلى دين الله ومنهجه للحياة، عن دين المسرفين المفسدين ومنهجهم.. أي انه يردهم من العبودية للعبيد، إلى العبودية لله في نظام الحياة.
وفي موضع آخر يحدد الله وظيفة الرسل كافة، ووظيفة كتاب الله عامة: بأنها الحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه:
"كان الناس أمة واحدة. فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وانزل معهم الكتاب بالحق، ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه"..
[البقرة:213]
فينتهي كل جدل في وظيفة الكتاب وفي وظيفة الرسل. ويتحدد معنى دين الله، ومرادفته لنظام الحياة الذي يريده الله..
* * *
ولا حاجة بنا إلى الإطالة اكثر من هذا-في البحث المجمل- عن طبيعة (الدين) وشموله لنظام الحياة الواقعية. فانه لا معنى للدين أصلاً إذا هو تخلى عن تنظيم الحياة الواقعية؛ بتصوراته الخاصة، ومفاهيمه الخاصة، وشرائعه الخاصة، وتوجيهاته الخاصة، فهذه الحياة الإنسانية لابد أن يقوم نظامها الأساسي على قاعدة التصور الاعتقادي، الذي يفسر حقيقة الوجود، وعلاقته بخالقه، ومركز الإنسان فيه، وغاية وجوده الإنساني، ونوع الارتباطات التي تحقق هذه الغاية. سواء الارتباطات بين الإنسان وربه. او الارتباطات بين الإنسان والكون من حوله. او الارتباطات بين الإنسان وسائر الأحياء. او الارتباطات بين بني الإنسان. كما يرتضيها الله لعباده.
وإلا يجئ هذا التفسير الشامل الكامل من عند الله، وإلا يقيم نظام الحياة كله على هذا التفسير الشامل الكامل، فهي إذن أهواء البشر. وهي إذن ( الجاهلية) التي جاء كل دين من عند الله لإخراج الناس منها، ورفعهم إلى (الربانية).
وإلا تكن العبودية لله وحده-ممثلة في التلقي عنه في هذا كله-فهي العبودية للعبيد.. وقد جاء دين الله لتحرير العباد من عبادة العبيد!
لا حاجة بنا للإطالة اكثر من هذا في هذه الحقيقة البديهية التي ما كان يجوز أن تكون موضع جدال. لولا تلك الملابسات النكدة التي قامت في أوروبا، وأدت إلى ذلك ( الفصام النكد) بين الدين والدولة. بل بين الدين والحياة.
إنما المهم أن نلقي الآن نظرة سريعة على تلك الملابسات النكدة.. التي عصمنا منها الله في تاريخنا وديننا. فاجتلبنا ثمارها النكدة لأنفسنا من هناك!

الفصَــامُ النَّكِـــدْ
ليس من طبيعة (الدين) أن ينفصل عن الدنيا وليس من طبيعة المنهج الإلهي أن ينحصر في المشاعر الوجدانية، والأخلاقيات التهذيبية، والشعائر التعبدية. او في ركن ضيق من أركان الحياة البشرية.. ركن ما يسمونه (الأحوال الشخصية).
ليس من طبيعة (الدين) أن يفرد لله -سبحانه- قطاعاً ضيقاً في ركن ضئيل-او سلبي- في الحياة البشرية، ثم يسلم سائر قطاعات الحياة الإيجابية العملية الواقعية لآلهة أخرى وأرباب متفرقين، يضعون القواعد والمذاهب، والأنظمة والأوضاع، والقوانين والتشكيلات على أهوائهم، دون الرجوع إلى الله!
ليس من طبيعة (الدين) أن يشرع طريقاً للاخرة، لا يمر بالحياة الدنيا! طريقاً ينتظر الناس في نهايته فردوس الآخرة عن غير طريق العمل في الارض، وعمارتها، والخلافة فيها عن الله، وفق منهجه الذي ارتضاه!
ليس من طبيعة (الدين) أن يكون هذا المسخ الشائه الهزيل! ولا هذه الألعوبة المزوقة التي يلهو بها الأطفال! ولا هذه المراسم التقليدية التي لا علاقة لها بنظم الحياة العملية!
ليس من طبيعة (الدين) -أي دين فضلاً عن دين الله- أن يكون هذا العبث الممسوخ الهزيل.. فمن أين إذن جاءته هذه السلبية الهازلة ؟ وكيف إذن وقع ذلك (الفصام النكد) بين الدين والحياة ؟.
لقد تم ذلك (الفصام النكد) في ظروف نكدة! وكانت له آثاره المدمرة في أوروبا.. ثم في الأرض كلها، حين طغت التصورات الغربية، والأنظمة الغربية، والأوضاع الغربية، على البشرية كلها في مشارق الأرض ومغاربها..
ولم يكن بد-وقد انفصمت حياة المخاليق عن منهج الخالق- ان تسير في هذا الطريق البائس؛ وان تنتهي إلى هذه النهاية التعيسة؛ وان تحيط بالبشر الدائرة التي يتعذبون الآن في داخلها، ويذوق بعضهم بأس بعض، بينما هم عاجزون عن معرفة طريق الخلاص منها.. وهم يصطرخون فيها..!!.
وليس هنا مجال الحديث عن الشقوة التي تصطرخ فيها البشرية فسيجيء شيء عنها في الفصول التالية. فلنعد إلى الحديث عن تلك الظروف النكدة، التي وقع فيها ذلك (الفصام النكد).
* * *
لقد جاءت اليهودية لتكون منهجاً لحياة بني إسرائيل-كما جاء كل دين قبلها ليكون منهج حياة لمن جاءهم- كذلك جاءت النصرانية - بعد اليهودية - لتكون المنهج المعدل لبني إسرائيل.
ولكن اليهود لم يقبلوا رسالة المسيح-عليه السلام- ولم يقبلوا منه التخفيف الذي جاءهم به من عند الله. وهو يقول لهم-كما حكى القرآن الكريم:
"ومصدقاً لما بين يدي من التوراة، ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم، وجئتكم بآية من ربكم، فاتقوا الله وأطيعون"..
[آل عمران:50]
ومن ثم قاوموا المسيح-عليه السلام- وقاوموا دعوته إلى السماحة والسلام والتطهر الروحي، والتخفف من المراسم الشكلية التي لا رصيد لها من تقوى القلوب! وانتهى بهم الامر إلى إغراء (بيلاطس) الحاكم الروماني على ارض الشام يومئذ بمحاولة قتل المسيح-عليه السلام-وصلبه. لولا أن توفاه الله ورفعه إليه (في صورة لا نعلم كيفيتها لأنه ليس عندنا نص قاطع من قرآننا ولا سنة نبينا عليها).
وأيا ما كان الأمر، فقد سارت الأمور بعد ذلك الحين بين اليهود واتباع عيسى-عليه السلام- سيرتها البائسة. فبذرت بذور الحقد على اليهود في نفوس الذين صاروا نصارى. كما بذرت بذور الكره في نفوس اليهود على هؤلاء! وانتهت بانفصال اتباع المسيح عن اليهود، وانفصال النصرانية عن اليهودية (وهي جاءت في الأصل لتكون تجديداً لليهودية وتعديلاً طفيفاً في أحكامها، مع الإحياء الروحي والتهذيب الخلقي العميق الواضح في دعوة المسيح عليه السلام).
ولما وقعت الجفوة والفرقة-بل البغضاء والحقد- بين اتباع عيسى عليه السلام واليهود، انفصل كتابهم الإنجيل-في حسهم- عن التوراة-وان بقيت التوراة وكتبها معدودة عندهم من الكتاب المقدس- وانفصلت شريعتهم عن شريعة التوراة. بينما جسم الشريعة لبني إسرائيل كلهم في التوراة.. وبذلك لم يعد للنصرانية بهذا الانفصال شريعة مفصلة تنظم الحياة!
ولكن التصور الاعتقادي-كما جاء به المسيح عليه السلام من عند الله- كان كفيلاً-لو ظل سليماً- أن يقدم التفسير الصحيح للوجود، ولمركز الإنسان في هذا الوجود، ولغاية وجوده الإنساني.. هذا التفسير الذي يمكن ان يقوم عليه نظام اجتماعي. كما كان ذلك التصور - لو ظل سليماً كما جاء من عند الله- كفيلاً أن يرد النصارى إلى الشريعة التي تضمنتها التوراة، مع التعديلات التي جاء بها المسيح للتخفيف في بعض تكاليف العبادة وتكاليف الحياة.
غير ان الذي حدث، هو ان عهداً طويلاً من الاضطهاد الفظيع قد اظل اتباع عيسى عليه السلام. سواء من اليهود المنكرين، او من الرومان الوثنيين، الذين كانوا يحكمون وطن المسيح. مما اضطر الحواريين-تلاميذ المسيح- واتباعهم وتلاميذهم الى التخفي، والتنقل والعمل سراً، فترة من الوقت طويلة. ومما اضطرهم كذلك إلى تناقل نصوص الانجيل، وتاريخ عيسى عليه السلام، وأحداث الفترة التي عاشها بينهم تناقلاً خاطفاً، في ظروف لا تسمح بالدقة ولا بالتواتر.. مما انتهى إلى رواية نصوص الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى-عليه السلام- في ثنايا روايات عن حياته وأعماله؛ يختلف بعضها عن بعض؛ فيما سمي بالأناجيل.. وهي كلام هؤلاء التلاميذ ورواياتهم عن حياة المسيح، متضمنة في ثناياها بعض ما يروى من كلام السيد المسيح.. وقد كتب اقدم هذه الأناجيل بعد المسيح بجيل كامل، ويختلف المؤرخون للنصرانية اختلافاً كبيراً في تحديد تاريخه ما بين40 سنة و64 سنة، كما يختلفون في اللغة التي كتب بها.. إذ لم توجد سوى ترجمة له..
ولقد كان من نصيب (بولس) ( الذي لم ير المسيح -عليه السلام- وإنما دخل النصرانية من الوثنية الرومانية) أن يتولى نشر النصرانية في أوروبا. مطعمة بما رسب في تصوراته من الوثنية والفلسفة الإغريقية.. وكانت هذه كارثة على النصرانية منذ أيامها الأولى في أوروبا.. فوق ما لحق بها من تحريف في فترة الاضطهاد الأولى. فترة تناقل الروايات في ظروف لا تسمح بتمحيصها ولا بتواترها!.
(وكتب بولس رسائله بعد ذلك-بعد القرن الأول الميلادي- وهي شاهد على امتزاج الأمثلة الدينية بصور الفلسفة-ولا سيما فلسفة الحلول- وكان يقول: ان المسيح جالس على يمين الله، ويدعو لمن يطلب لهم الخير "أن تسكن فيهم كلمته" ويسأل لهم الغفران منه، ويبشرهم بأنهم سيبلغون المجد متى عاد إلى الأرض! ويبدو من جملة كلامه انه كان ينتظر معاده في زمن قريب. وكثيراً ما أشار إليه-صلوات الله عليه- باسم:"ربنا يسوع المسيح"! وسمى نفسه باسم:"رسول يسوع المسيح بحسب أمر الله مخلصنا وربنا يسوع المسيح!") ( ).
* * *
ولكن الكارثة العظمى كانت في الحدث الذي تم بعد ذلك. وكان ظاهره انتصار النصرانية، وهو دخول الإمبراطور الروماني (قسطنطين) في النصرانية، واستطاعة الحزب النصراني أن يصبح هو الحاكم سنة 355م.
ويصف درابر الأمريكي في كتابه(الدين والعلم) هذا الحادث وآثاره النكدة يقول:
( دخلت الوثنية والشرك في النصرانية بتأثير المنافقين، الذين تقلدوا وظائف خطيرة، ومناصب عالية في الدولة الرومية، بتظاهرهم بالنصرانية ولم يكونوا يحفلون بأمر الدين، ولم يخلصوا له يوما من الأيام.. وكذلك كان (قسطنطين).. فقد قضى عمره في الظلم والفجور؛ ولم يتقيد بأوامر الكنيسة الدينية إلا قليلاً في آخر عمره (سنة 337م).
( ان الجماعة النصرانية، وان كانت قد بلغت من القوة بحيث ولت قسطنطين الملك، ولكنها لم تتمكن من أن تقطع دابر الوثنية، وتقلع جرثومتها. وكان نتيجة كفاحها ان اختلطت مبادئها، ونشأ من ذلك دين جديد، تتجلى فيه النصرانية والوثنية سواء بسواء.. هنالك يختلف الإسلام عن النصرانية، إذ قضى على منافسه (الوثنية) قضاء باتا، ونشر عقائد خالصة بغير غبش ..
(وان هذا الإمبراطور الذي كان عبداً للدنيا، والذي لم تكن عقائده الدينية تساوي شيئاً، رأى لمصلحته الشخصية، ولمصلحة الحزبين المتنافسين-النصراني والوثني-ان يوحدهما ويؤلف بينهما: حتى إن النصارى الراسخين أيضاً لم ينكروا عليه هذه الخطة. ولعلهم كانوا يعتقدون أن الديانة الجديدة ستزدهر إذا طعمت ولقحت بالعقائد الوثنية القديمة! وسيخلص الدين النصراني عاقبة الأمر من أدناس الوثنية وأرجاسها) ( ).
* * *
ولكن الديانة الجديدة لم تتخلص-بعد ذلك- قط من أدناس الوثنية وأرجاسها-كما أمل النصارى الراسخون- فقد ظلت تتلبس بهذه الأساطير والتصورات الوثنية. ثم زادت الطينة بلة. فأصبحت تتلبس كذلك بالخلافات السياسية والعنصرية، وأصبحت العقيدة تغير وتنقح لتحقيق أهداف سياسية:
يقول (الفرد بتلر) في كتابه: (فتح العرب لمصر) ترجمة الأستاذ (محمد فريد أبو حديد):
(إن ذينك القرنين-الخامس والسادس- كانا عهد نضال متصل بين المصريين والرومانيين. نضال يذكيه اختلاف في الجنس واختلاف في الدين. وكان اختلاف الدين اشد من اختلاف الجنس إذ كانت علة العلل في ذلك الوقت، تلك العداوة بين (الملكانية) و (المونوفيسية) وكانت الطائفة الأولى-كما يدل عليها اسمها- حزب مذهب الدولة الإمبراطورية، وحزب الملك والبلاد. وكانت تعتقد العقيدة السنية الموروثة-وهي ازدواج طبيعة المسيح- على حين أن الطائفة الأخرى وهي حزب القبط المنوفيسيين-أهل مصر- كانت تستبشع تلك العقيدة وتستفظعها، وتحاربها حرباً عنيفة، في حماسة هوجاء، يصعب علينا ان نتصورها، او نعرف كنهها في قوم يعقلون. بله يؤمنون بالإنجيل!)..
ويقول (ت.و.أرنولد) في كتابه: (الدعوة إلى الإسلام) ترجمة حسن إبراهيم وزميليه، عن هذا الخلاف الطائفي السياسي العنصري وآثاره في الابتداعات والإضافات والتعديلات في النصرانية:
"… ولقد افلح (جستنيان) قبل الفتح الإسلامي بمئة عام في ان يكسب الإمبراطورية الرومانية مظهراً من مظاهر الوحدة. ولكن سرعان ما تصدعت بعد موته، وأصبحت في حاجة ماسة إلى شعور قوي مشترك، يربط الولايات وحاضرة الدولة".
(أما هرقل فقد بذل جهوداً لم تصادف نجاحاً كاملاً في إعادة ربط الشام بالحكومة المركزية. ولكن ما اتخذه من وسائل عامة في سبيل التوفيق قد أدى-لسوء الحظ- إلى زيادة الانقسام، بدلاً من القضاء عليه. ولم يكن ثمة ما يقوم مقام الشعور بالقومية سوى العواطف الدينية. فحاول بتفسيره العقيدة تفسيراً يستعين به على تهدئة النفوس، ان يقف ما يمكن ان يشجر بعد ذلك بين الطوائف المتناحرة من
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب ( المستقبل لهذا الدين 2) لسيد قطب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب ( المستقبل لهذا الدين- 8) لسيد قطب
» كتاب ( المستقبل لهذا الدين 1) لسيد قطب
» كتاب ( المستقبل لهذا الدين 3) لسيد قطب
» كتاب ( المستقبل لهذا الدين 4) لسيد قطب
» كتاب ( المستقبل لهذا الدين 5) لسيد قطب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الملتقى الحر للسودانيين بالكويت :: المنتدى الديني-
انتقل الى: