أبيي.. القوات الدولية على الأبواب
الراي العام / خالد البلولة إزيرق
بعد تلكؤ شريكي نيفاشا في حسم ملفها، بدأ صوت المطالبين بالتدخل الدولي في أبيي يرتفع بشكل أعلى في الفضاء السياسي، بعد أن إزداد الوضع الأمني تعقيداً بتواصل مسلسل سقوط عشرات القتلى والجرحى بشكل شبه يومي من خلال المعارك الدائرة بين المسيرية والدينكا حول أبيي.
مؤشرات
مؤشرات التدخل تتكرر يومياً مع تزايد الصراع، ومشاهده أصبحت تترى يومياً الأمم المتحدة تجلي رعاياها، والمنظمات الدولية كذلك تفعل وتحذر من خطورة الوضع بالمنطقة التي تعاني نقصاً في كل شىء بسبب الحصار المضروب من هنا ومن هناك.
ويبدو ان أبيي التي أقر بروتوكولها الموقع بين شريكي نيفاشا ان تكون جسراً للتواصل أضحت مأزقاً وإسفينا في خاصرة السلام.
وفي ظل صمت الشريكين وعجزهما على الأقل الذي يبدو ظاهرياً في إيجاد مخرج للأزمة، أطلق السيد الصادق المهدي مقترحاً دعا فيه الي ترك مهمة حفظ السلام في أبيي للامم المتحدة، كقوة محايدة في ظل تردي الأوضاع الأمنية بالمنطقة.
وإن لم يمض المهدي في شرح وسائل وطرق تنفيذ دعوته وتركها دون حيثيات لجهة التنفيذ، فإن دعوته تثير كثيراً من الإستفهامات، كما أنها ربما تشكل خطوة بإتجاه تجاوز بروتوكول أبيي نحو وضع جديد تشارك فيه الأمم المتحدة. وربما تعيد الدعوة إذا قبلت من أطراف الأزمة في الحكم، منح يونميس تفويضاً أوسع لمهامها المنحصره بموجب الإتفاقية في مراقبة وقف اطلاق النار وفق البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة، الى توسيع تفويضها الي البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة للإطلاع بمهام الحماية ونزع السلاح بأبيي بموافقة الأمم المتحدة، لكن مراقبين يستبعدون حدوث ذلك، وبالتالي يكون مقترح المهدي من الناحية العملية صعب التنفيذ.
وكانت دعوة مماثلة قد أطلقت إبان أزمة شريكي نيفاشا مؤخراً التي إنتهت بالإتفاق على جداول المصفوفة، ففي خضم تلك الأزمة برزت دعوة من الحركة الشعبية لنشر قوات دولية بين الشمال والجنوب، فسرها مراقبون وقتها بان الحركة الشعبية كانت تستهدف بها منطقة أبيي باعتبارها كبري القضايا الخلافية بين الشريكين بعد رفض الوطني لتقرير الخبراء الدوليين، وبالدعوة الأخيرة من السيد الصادق لوجود قوات دولية بأبيي تكون دائرة المطالبة قد إتسعت بشكل أوسع.
ولكن هل سيتجه الشريكان بعد فشلهما في حل الأزمة لترك امرها للبعثة الأممية؟ وكيف ينظر المراقبون لهذه الدعوة؟ الفريق محمد بشير سليمان الناطق السابق بإسم القوات المسلحة قال لـ»الرأي العام» إنها دعوة سليمة لحل المشكلة خاصة أن إتفاقية نيفاشا نصت على وجود قوات أممية للمراقبة، ويمكن ان يتحول جزء منها لمراقبة المنطقة الى حين التوصل لتسوية سلمية، لأن أبيي بوضعها الحالي قد تؤدي لحرب بين الطرفين ومن الأفضل ان يكون هناك طرف محايد يتولي المهمة، مفضلاً ان تكون هذه القوات أفريقية وإذا تعذر فيمكن ان يستعان بقوات «يونيميس» لمعالجة المشكلة دون التأثير على الإتفاقية لتتولي عملية جعل المنطقة خالية من السلاح.
تحذير
وتزامنت دعوة إشراك القوات الأممية في إدارة أبيي، بعد تحذيرات أطلقها نائب رئيس بعثة الأمم المتحدة بالمنطقة بوروسي صديقي، قال إن هناك شحا في المواد الغذائية والتموينية في ظل استمرار إغلاق الطرق المؤدية إلى ابيي، محذرا من تجاهل الوضع الانساني، وهي تحذيرات لا يستبعد مراقبون أن تكون دعوة ضمنية لأن تلعب البعثة الدولية دوراً في المنطقة لإيقاف ما أسماه بالوضع الإنساني المتدهور بالمنطقة.
ويشير أكثر من طرف في الساحة السودانية لخطورة الوضع في ظل حالة الجمود الناتجة عن عدم توفر الحلول للخروج من الأزمة الى بر الأمان، ما يجعل المطالبه بقوات دولية أىاً كان نوعها للقيام بدور إيجابي في الحد من الصراع أمراً يبدو وجيهاً بحسب متابعين أقلاه لوقف إراقة الدماء، ولكن طرفي الصراع في المنطقة يرفضون تلك الدعوة وكل من منطلقاته ورؤيته لهذه القوات، فدكتور فرانكو مجاك عضو المجلس السياسي للحركة الشعبية بأبيي قال لـ»الرأي العام» قطعاً قوات الأمم المتحدة ليست حلا، ولا نقبل أي إجتهاد في بروتوكول أبيي، ووصف الدعوة بأنها محاولة لتجميد المشكلة التي يجب أن يكون حلها واضحاً، وقال إن المسألة ليست في الترتيبات الأمنية، وإنما في عدم تنفيذ بروتوكول أبيي الذي أدي للتوترات الأمنية، مشيراً الى أن القضية متكاملة ولا يمكن تجزئة المسألة الأمنية من السياسية، بل يجب ان نعطي الجانب السياسي الأولوية لأنه سيقود لتوافق على العملية الأمنية، وأضاف ان مثل هذا المقترح لا يمكن ان ينجح ما لم يكن هناك توافق سياسي حول القضية.
تخوف
وترابط بأبيي إحدي فرق المراقبة الأممية «زامبيا» ضمن فرق المراقبة التي تنشرها الأمم المتحدة بموجب إتفاقية السلام لمراقبة سير تنفيذ الإتفاقية، وهي منوط بها مراقبة تنفيذ بروتوكول أبيي الذي حصر سلطة الإشراف الأمني في أبيي للشرطة، بالإضافة للقوات المشتركة «القوات المسلحة، الجيش الشعبي» لكن لم يتم نشرها للقيام بدورها نتيجة التأخير الذي لازم عملية تكوين القوات المشتركة، وكذلك عدم إنشاء السلطة الإدارية التي تتولى تسيير الإمور في المنطقة بسبب خلافات الشريكين حول تقرير لجنة الخبراء، الأمر الذي جعل المنطقة في حالة فراغ إداري أدى للتوترات الأمنية الحالية نتيجة حالة الشد والجذب بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني.
وان تطابقت رؤية قيادات المنطقة من الطرفين في عدم ترحيبهما بترك المهمة للقوات الأممية، لكن إختلفت مبررات كل منهما، فقد أشار الفريق عبد الرحمن حسن عمر محافظ أبيي السابق لـ»الرأي العام» الى أن وجود قوات دولية يعني تدخلاً دولياً، ونحن لا نثق في أي قوات لأنها تكون ذات أغراض وأهداف ولا تحترم إتجاهاتنا، وأضاف انها لا تؤدي الى حلول، مشيراً الى ان أي تدخل للمجتمع الدولي في قضية أبيي سيؤزم المشكلة بالإنحياز الذي يمكن أن يبديه من واقع تجاربه السابقة، وبالتالي لا نثق في أي حلول تأتي من المجتمع الدولي.
وما بين دعوة الصادق المهدي ورفض طرفي النزاع في إبيي «الدينكا والمسيرية» لإشراف قوات الأمم المتحدة على الأوضاع في أبيي، تظل الخيارات مفتوحة.. في ظل عجز الشريكين عن إيجاد مخرج للأزمة وتردي الأوضاع الأمنية هناك