البلاد تودع فيليب غبوش أحد رموزها الوطنية

صادف يوم أمس، غياب شخصيتين بارزتين عن العمل السياسي بالبلاد، فبعد خبر وفاة فاروق زكريا عضو سكرتارية اللجنة المركزية

للحزب الشيوعي، حملت الأنباء من لندن أن الموت غيب ايضا الأب فيليب عباس غبوش أحد الشخصيات المؤثرة في منطقة جبال النوبة، وصاحب الحضور السياسي والديني الهام.
وكان الاب غبوش قد تعرض منذ ديسمبر العام الماضي لوعكة صحية نقل علي اثرها إلي مستشفي الحوادث بالخرطوم وبعدها إلي مستشفي ابن سينا واستمرت حالته في التدهور غير أنه بدأ شجاعاً في مواجهة المرض وأبدي تفاولاً ظاهرياً علي الأقل، ونسبة للسيل المستمر من الزوار أصر الأطباء علي التزامه الراحة للمحافظة علي طاقته .
وفي منتصف الشهر الماضي دخل في غيبوبة مما دعا الى نقله الى العاصمة البريطانية لندن حيث توفي هناك.
ولد الاب فيلب وأسمه الثلاثي عباس غبوش ادم، في مطلع عشرينات القرن الماضي، وهو أسقف من إقليم النوبة .
وحسب سيرة ذاتية منشورة على الانترنت، فقد ترأس غبوش اتحاد جبال النوبة الذي تأسس عام 1964 اعتراضا على التهميش وضعف التنمية في هذه المنطقة، وخاض الاتحاد انتخابات 1965 ، وحصل على 8 نواب قبل أن يحل في عهد الرئيس نميري 1970، وفي تلك الفترة انضم الأب غبوش للمعارضة الخارجية ولم يعد إلى الخرطوم إلا مع المصالحة الوطنية عام 1977 ، وأسس بعد ذلك حزب السودان الحر .
تعرض الراحل للاعتقال، وحكم عليه الرئيس السابق جعفر نميري بالاعدام، وذلك لدور حزبه في المقاومة التي كانت تنشط ضد حكومة النميري.
وفي الفترة الواقعة بين 2-5 ديسمبر 2002، انعقد مؤتمر يضم المنحدرين من جبال النوبة، حضره 3000 مندوب من بينهم ممثلو أحزاب عديدة وجماعات سياسية ومدنية ، وكان من أبرز نتائج المؤتمر حل أحزاب النوبة الأربعة وتأسيس حزب واحد جديد هو «حزب السودان الموحد الوطني» « USNP»، برئاسة الأب فيليب عباس .
والأحزاب الأربعة المندمجة هي حزب السودان الحر «فيليب عباس غبوش»، والحزب القومي السوداني «البروفيسور الأمين حمودة»، والحزب القومي السوداني «القيادة الجماعية بزعامة محمد حماد كوة»، والاتحاد العام لجبال النوبة «يوسف عبدالله جبريل ».
عاش الراحل في منزل شعبي بسيط بحي العرضة ام درمان، والأب فيليب عباس غبوش سياسي مخضرم كان خصومه في البرلمان في الديمقراطية الثالثة يعتبرونه «سياسيا بارعا» لانه حذق اللعبة البرلمانية ، ويعرف اللعب على تناقضات الممارسة الديمقراطية والاعيبها الحزبية ، ومناوراتها الجماهيرية في الليالي السياسية .
وظل غبوش حتى وفاته وفيا لقضايا ابناء منطقته، فقد رفض الظلم والواقع السيئ في جبال النوبة، واستمر يطالب بازالة الفوارق التنموية والاجتماعية بين اقاليم السودان المختلفة.
يقول عنه الاستاذ على الريح السنهوري الذي كان قريبا من الراحل خلال معارضتهما لحكومة النميري، ان الفقيد هو فقيد لجنوب كردفان وللسودان لأنه ظل مناضلا طيلة السنوات السابقة في سبيل النهوض بمنطقة هي من اكثر المناطق التي تعرضت للاهمال، رغم انها من اغنى مناطق السودان بنضالها وتاريخها الوطني، وخصبة بارضها وشعبها، وقال لـ «الصحافة» امس ، انه على الرغم أن الراحل تمركز نضاله حول المنطقة الا انه يلاحظ ان اكثرية الاحزاب السودانية جهوية وليست عند القومي وحده.
واضاف السنهوري: نحن ناضلنا من خندق واحد خلال عهد النميري ، ودخلنا في عهد الانقاذ في تفاهمات مع حزب الراحل، ونعتز ان الاب فيلب غبوش ترك ابناء مناضلين ومخلصين لقضايا جبال النوبة بشكل خاص والسودان بشكل عام، وأردف ان كل من أخلص لمنطقته فهو مخلص للسودان وهو مخلص للامة العربية وهو بالتالي مخلص للانسانية، لذلك فان رحيل غبوش فقد كبير، لكن ستبقى سمعته الحسنة و المبادئ ورفقاء الدرب الذين نتمنى ان يواصلوا نضالهم لاخراج السودان من مأزقه.
من جهته، اعرب الدكتور صديق تاور احد الناشطين السياسيين من ابناء جبال النوبة، عن بالغ حزنه لوفاة الاب غبوش، وقال ان الراحل كان من رموز السودان وأحد الشخصيات الوطنية البارزة سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، لكنه يمثل الاب الروحي لابناء جبال النوبة المعبر عن تطلعاتهم للتنمية والمساواة ونيل حقوقهم بالتساوي مع اخوتهم في بقية البلاد، ورأى أن غيابه يمثل سحابة حزن كثيفة لكل ابناء السودان المحبين لنهضته واستقراره وتقدمه.