بالرغم من قناعتي الأكيدة بأن حزب المؤتمر الوطني الحاكم له يدٌ في هذا الإنشقاق الذي يعصف بالاتحادي الديمقراطي (كما عصف بحزب الأمة وبالحزب الشيوعي والجبهة الإسلامية ووو) إلا أنني أقف متأملاً في ما قاله الشيخ حسن ابوسبيب عضو المكتب السياسي ونائب الأمين العام لهيئة الختمية لجريدة السوداني الصادرة اليوم ، بان الخلافات داخل الحزب الاتحادي ليست غريبة لأنه عندما قام مؤتمر الخريجين والحركة الوطنية التي تفرعت منها الاحزاب كانت الحركة الاتحادية عبارة عن مجموعة احزاب اتجاهها وفلسفتها تسير على خط موحد وهي حزب وحدة وادي النيل والاتحاديين الأحرار وحزب الاشقاء وكانت تلك هي أحزاب رئيسية وأساسية ومسميات لمرتكز واحد حيث انصهرت في حزب واحد بعد اللقاء التاريخي الذي تم في مصر بعد قيام الثورة المصرية عام 1952م بما يعرف بالحزب الوطني الاتحادي برئاسة الزعيم الأزهري والمجموعة الأولى التي تتكون من يحيى الفضلي ومحمد أحمد المرضي ومحمود الفضلي ومبارك زروق تحت رعاية مولانا السيد علي الميرغني ورئاسة اسماعيل الازهري.
واستمر الحال إلى ان تم إعلان الاستقلال وخاض الحزب الوطني الاتحادي الانتخاب ينافسه حزب الأمة برئاسة الصديق المهدي وسكرتارية عبدالله خليل وإستطاع الحزب بقاعدته العريضة ان يخوض الانتخابات منفرداً وبشكل حكومة لوحده شملت مجلسي البرلمان والشيوخ وفي المجلسين كانت الغلبة للوطني الاتحادي وذهب حزب الامة للمعارضة بواحد وعشرين صوتاً لكن بعد ذلك حدث خلاف في الوطني الاتحادي.
هذا الخلاف بدأ تحديداً في الستينيات وهو نزاع بين القوى الاتحادية التي تمثل مجموع الاحزاب الثلاثة المذكورة وبين القاعدة العريضة للحزب وهي الطريقة الختمية وفي تقديري ان الخلاف كان تنظيمياً حيث ان القياديين الذين جاءوا للحزب دون انتماء طائفي شعروا بأن هناك مجموعة من السياسيين داخل الحزب ولاؤهم للطريقة الختمية وعلى أثر ذلك انشق الحزب لقسمين حزب الشعب الديمقراطي برئاسة شيخ علي عبدالرحمن واحمد السيد حمد وأحمد زيادة حمور وبعض القياديين واستمر هذا الخلاف وخاض الحزبان الانتخابات وعندما تم الائتلاف بين الشعب الديمقراطي وحزب الأمة استطاعا بسهولة اسقاط الوطني الاتحادي واخراجه من الحكومة رغم انفه.
ويواصل الشيخ ابوسبيب حديثه ويقول استشعر مولانا الميرغني والزعيم اسماعيل الازهري أهمية توحيد الحزب لاعتبارات عديدة منها مصلحة السودان التي كانت تقتضي في ذلك الوقت توحيد الحزب ورغبة القاعدة الاتحادية العريضة في ذلك وتم اجتماع بين مولانا الميرغني والزعيم الأزهري وبعض القياديين الكبار في الحزب فاختاروا اسماً جديداً للحزب واختاروا كلمة (الاتحادي) من الوطني الاتحاد والديمقراطي من الشعب الديمقراطي وقد تراضى الجميع على ذلك حتى ان الأزهري قال عبارته الشهيرة في اجتماع تم في منزل علي عبدالرحمن في بحري ( أن الحزبين قد قبرا) وصار مكانهما الحزب الاتحادي الديمقراطي الموجود حالياً وبذلك انطوت صفحة الخلاف وكان ذلك في نوفمبر 1967م.
وبعد الاستقلال لم يشهد السودان استقراراً سياسياً اذ تم الاطاحة بحكومة الازهري الاولى من قبل العسكريين بقيادة عبود 1958م ثم جاءت اكتوبر 1964م وعادت الاحزاب مرة أخرى ولكنها لم تكمل عامين حتى اطل عليها انقلاب مايو 1969م ثم جاءت الانقاذ واطاحت بالديمقراطية الثالثة.
وبعد انتفاضة (ابريل مارس) بدأ إنشقاق آخر في الحزب الاتحادي حيث كانت ترى بعض المجموعات من الاتحاديين ان هناك اناساً شاركوا في حكومة مايو امثال احمد السيد حمد وغيرهم باعتبار أنهم كانوا سدنة النظام المايوي ورأوا ان لا تكون لهم مناصب في الحزب وفي النهاية حدث خلاف وخرجت مجموعة على رأسها الاستاذ علي محمود حسنين وكون الوطني الاتحادي مرة ثانية وكان معه حاج مضوي وهشام البرير وفتحي شيلا وأحمد زين العابدين وطيفور الشايب.
وعندما جاءت انتخابات عام 1986م نزل الحزب الاتحادي وهو منشق وخسر على محمود كل مجموعته في الانتخابات وبعدها عاد علي محمود ومجموعته للحزب الاتحادي الديمقراطي وصار الحزب الاتحادي الديمقراطي برئاسة السيد محمد عثمان الميرغني رئيساً وحاج مضوي نائباً له وتم الاتفاق على هذه القيادة بالتراضي.
وبعد ان عقد الحزب مؤتمر المرجعيات حدث انشقاق جديد اذ طالبت مجموعات بقيام المؤتمر العام والمؤسسية واختيار القيادات بطريقة ديمقراطية.
وفي ذات اللقاء أكد أبو سبيب على وجود احتجاجات على قيادات الحزب الحالية حيث ظل المخالفون يتمسكون بأن القيادات الحالية جاءت بالتراضي وهي غير شرعية لانها غير منتخبة وبعد ان حدث الخلاف على ذلك خرج حاج مضوي والزين حامد وعلي محمود.
وحين سئل عن عدم الاهتمام بمثل هذه الاحتجاجات وايجاد حل لها أجاب اجابة فضفاضة وغير مقنعة ـ بالنسبة لي على الأقل ـ حيث عزا ذلك الى : وجود ظروف سياسية اعترضت قيام المؤتمر إضافة لوجود رئيس الحزب خارج البلاد واستمر الحال إلى ان كون علي محمود وحاج مضوي مايسمى بالاتحادي الديمقراطي الهيئة العامة ثم خرجت مجموعة من الهيئة العامة سمت نفسها المؤتمر الإستثنائي وهي مجموعة المرحوم محمد إسماعيل الازهري ثم مجموعة أخرى يرعاها (ازرق طيبة).