الملتقى الحر للسودانيين بالكويت
الملتقى الحر يرحب بك ويتمنى لك يوما سعيدا
يرجى تسجيل دخول لمشاهدة المنتدى كاملا وامكان المشاركة بالكتابة والتعليق
الملتقى الحر للسودانيين بالكويت
الملتقى الحر يرحب بك ويتمنى لك يوما سعيدا
يرجى تسجيل دخول لمشاهدة المنتدى كاملا وامكان المشاركة بالكتابة والتعليق
الملتقى الحر للسودانيين بالكويت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الملتقى الحر للسودانيين بالكويت

مساحة لطرح ومناقشة قضايا وهموم أبناء الجالية بكل حرية وصراحة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب ( المستقبل لهذا الدين 5) لسيد قطب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مصطفى يوسف فضل
عضو نشط
عضو نشط



عدد الرسائل : 588
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

كتاب ( المستقبل لهذا الدين 5) لسيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: كتاب ( المستقبل لهذا الدين 5) لسيد قطب   كتاب ( المستقبل لهذا الدين 5) لسيد قطب I_icon_minitimeالإثنين 5 نوفمبر - 14:34

لا بل إن الروسي ليبدو متخلفاً بنظامه المتعسف، الذي لا يملك البقاء بغير الوسائل البوليسية البشعة، وبغير(حمامات الدم) و( حركات التطهير) الدورية، ومعسكرات الاعتقال، ومعسكرات الموت... لشدة مصادمته للفطرة الإنسانية في الكليات والجزئيات!
إن الماركسية-من الوجهة النظرية- تقوم على جهالة عميقة بالنفس البشرية وطبيعتها وتاريخها- فضلاً على الجهالة العميقة بالحقيقة الكونية، وتفسير الكون والحياة- فهي إذ تصور جميع الدوافع الإنسانية قائمة على جوعة المعدة والصراع على لقمة الخبز، وتصور جميع الحركات التاريخية منبثقة من تغير أدوات الإنتاج.. تلغي أهم مقومات الإنسان التي تفرق بين تاريخه وتاريخ البهيمة! وتلغي أهم وظائف الإنسان. وهي أن يكون العامل الإيجابي الأول في هذه الأرض وفي أطوار التاريخ.. ثم هي-فجأة- تتصور المستقبل خلواً من كل وراثات البشرية؛ وتفترض أن الناس سيتحولون ملائكة خيرين، ينتج كل منهم أقصى ما في طوقه، ولا يأخذ إلا قدر ما يكفيه.. وكل هذا بدون رقابة، وبدون حكومة، وبدون عقيدة سماوية تطمعه في جنة او تخيفه من نار. وبدون أي سبب معقول.. اللهم إلا ذلك الانقلاب الخرافي العجيب، الذي يتم في طبائع البشر، بمجرد تحطيم العناصر البرجوازية، وتسليم الأمر للبروليتريا.
وإذا كان هذا التصور (العلمي) عن المستقبل يبدو (خرافة) فان ذلك التصور عن التاريخ لا يقل عنه إمعاناً في الجهالة (العلمية) بحقيقة النفس البشرية، وطبيعتها، وتاريخها على السواء.
حين يكون هذا الجهل العميق، وهذه الخرافة الطاغية، هما أساس التصور الماركسي، فإننا لا ننتظر أبداً أن يقوم على أساسه واقع عملي في الحياة التي يزاولها البشر، إلا أن يكون فيه من الاعتساف قدر ما في هذا التصور من رغبة جامحة في مجانية حقائق الفطرة، التي تصطدم اصطداماً عنيفاً بذلك التصور.
ومن ثم اضطرت الماركسية-عند التطبيق العملي- ان تتخلى عن أهم مقدساتها الماركسية! وعللت هذا التخلي الذي يكاد يكون كاملاً، بان الماركسية مذهب متطور، على حين أن ليس هنالك مذهب يحتشد (بالحتميات) احتشاد النظرية الماركسية!
لقد تحطمت النظرية (العلمية) الماركسية تحت مطارق الفطرة في معظم أجزائها الرئيسية. ولم يبق إلا (الدولة) وإلا الأنظمة الديكتاتورية البوليسية، التي تعرفها روسيا جيداً في أيام القيصرية!
ووفق النظرية (المحطمة) فان (الدولة) كان ينبغي أن تكون الآن-وبعد حوالي نصف قرن- في طريقها إلى الذبول والزوال.. ولكن الذي يعلمه كل أحد أن الدولة هناك، تتضخم يوماً بعد يوم، وتبتلع كل شيء – بما في ذلك الشعب نفسه!
ولعله من المفارقات الطريفة أن الماركسية التي تفترض إمكان قيام المجتمع بدون حكومة في نهاية المطاف، هي التي تنتهي فيها الحكومة إلى أن تصبح هي الشيء الوحيد الذي له وجود! حيث لا وجود (للفرد) ولا وجود (للشعب) ولا وجود (لفطرة الإنسان) في ظل ذلك النظام!
إن الماركسية-كمذهب- لا تزيد على أن تكون جهالة (علمية) منقطعة النظير. أما النظام البوليسي الذي قام باسمها ، فهو نظام تعرفه روسيا من قبل أيام القيصرية. وهو نظام يمكن أن تطيقه الشعوب المتخلفة-بعض الوقت- ولكن الآدميين الذين يستشعرون وجودهم (الإنساني) لا يصبرون عليه طويلاً.. وحتى هذه الشعوب التي ترزح تحت وطأته فان فطرتها تقاومه مقاومة عنيفة-على الرغم من طول خضوعها قبله للقيصرية الطاغية- وهو لا يعيش إلا في ظل الإرهاب البوليسي؛ على الرغم من سيطرة (الحزب الشيوعي) القليل العدد، على مرافق البلاد؛ وعلى الرغم من احتكار كل موارد الارتزاق والمعاش في يد الدولة، الأمر الذي يذل لها الرقاب! وعلى الرغم من بلشفة الصغار عن طريق المنظمات الخاصة للأطفال وللشباب. وعلى الرغم من سيطرة الدولة على كل أجهزة التوجيه والإعلام. وعلى الرغم من أن المدرسين جميعاً يتبعون(الأيديولوجية الشيوعية). وعلى الرغم من حركات التطهير لكل من يشك في عدم ولائه للنظام الشيوعي.. فلابد ان يكون هذا النظام من الكراهية والاصطدام بالفطرة إلى الحد الذي لا تجدي كل هذه العوامل الساحقة في جعله آمناً على نفسه من انتقاض الجماهير-او بتعبير آخر من انتقاض الفطرة، التي يستحيل أن تصبر طويلاً على مثل هذا النظام المتعسف- وآية الفشل لأي نظام لا يقوم إلا في حراسة الإرهاب.
* * *
من ثم تبدد نبوءة (برتراند رسل) قريبة الجذور سطحية المقدمات مادية الأسباب. لا تخرج عن نطاق التفكير المادي المحدود. سجين هذه الحضارة المادية على كل حال!
إن القضية اعمق من هذا واشمل بكثير. أنها قضية الحضارة المنبتة عن الله، وعن منهجه للحياة. قضية الأنظمة الاجتماعية والمناهج الفكرية والمذاهب الوضعية، التي لم تنبثق من اصلها الواحد الصحيح؛ ومن ثم لم تعط الإنسان التفسير الواحد الصحيح لحقيقة هذا الوجود وعلاقته بخالقه؛ ولحقيقة هذا الإنسان ومركزه في هذا الوجود؛ ولغاية وجوده الإنساني ووسائل بلوغها المشروعة.
إنه (الفصام النكد) الذي تستوي في القيام على أساسه كل الأنظمة السائدة في عالم (الرجل الأبيض)؛ والذي يستوي فيه الروسي والأمريكي، والإنجليزي والفرنسي، والسويسري والسويدي.. وسائر من يتبعهم في الشرق وفي الغرب سواء.
انه ليس هنالك فارق حقيقي-من ناحية الأصل الوضعي لهذه الأنظمة كلها!- ولا عبرة بان تكون الكنائس مثلاً مفتوحة الأبواب في أمريكا الرأسمالية؛ او مغلقة الأبواب في روسيا الشيوعية؛ او مهملة لا لها ولا عليها-مع ضمان حرية الإلحاد- في السويد الاشتراكية!
لا عبرة بهذه الفوارق الشكلية ما دام أن النظم الاجتماعية، والمذاهب الفكرية في هذه البلاد كلها ليست منبثقة انبثاقاً من التصور الاعتقادي الإلهي، الذي يكفل-وحده- التفسير الصحيح لحقيقة الوجود وعلاقته بخالقه؛ ولحقيقة الإنسان ومركزه في هذا الوجود؛ ولغاية وجوده الإنساني.. هذه العناصر الأساسية التي تنبثق منها أسس النظام الاجتماعي، كما تنبثق منها مناهج الفكر الصحيحة، الموصولة بفطرة الإنسان الحقيقية، الملبية لحاجات الإنسان الحقيقية كذلك.
هذه هي القضية في جذورها العميقة الشاملة. لا كما يتصورها-داخل القضبان الفكرية!- (براتراند رسل) شأنه في التفكير من داخل القضبان شأن كل مفكري الغرب، أسارى بيئتهم وحضارتهم وتاريخهم التعيس مع كنيستهم الغاشمة، وفصامهم النكد الذي طبع حياتهم كلها خلال خمسة قرون مريرة!
* * *
ثم ماذا؟
ثم انه الخواء ينخر في روح الحضارة الغربية، بمذاهبها جميعاً. وبأنظمتها جميعاً.. الخواء الذي تختنق فيه روح (الإنسان)، وتنهدر فيه قيمة (الإنسان)، وتنحدر فيه خصائص (الإنسان).. بينما تتكدس (الأشياء) وتعلو قيمتها، وتطغى على كل قيمة للإنسان!
انه الخواء الذي يهدد الحياة الإنسانية ورقيها بالتوقف. بل يهددها بالنكسة والانحدار-على الرغم من ضخامة الإنتاج المادي والفتوح العلمية والتقدم الصناعي- ذلك أن (الإنسان) ذاته لم تراع فطرته، ولا احتياجاته الحقيقية عند إقامة النظام الحضاري الذي ساد!
إن بريق الحضارة المادية لا يجوز أن يغشي أبصارنا عن حقيقة الشقاء الذي باتت تعانيه البشرية في ظل هذه الحضارة. وان الصواريخ المطلقة، والأقمار الصاعدة، لا يجوز ان تلهينا عن الدرك الذي ينحدر إليه (الإنسان) ومقومات (الإنسان)!
إن الإنسان هو اكرم ما في هذه الأرض. انه هو الكائن الأساسي فيها، والمستخلف في مقدراتها. وكل شيء فيها في خدمته-أو ينبغي أن يكون كذلك-و(إنسانيته) هي المقوم الأعلى الذي يقاس به مدى صعوده او هبوطه. وسعادة روحه هي مقياس ما في الحضارة التي يعيش فيها من ملاءمة لطبيعته أو مصادمة..
فإذا رأينا (الإنسان) ينحدر في صفاته (الإنسانية) وفي تصوره للقيم الإنسانية..
إذا رأيناه وقوداً للآلة، او عبداً لها، او تابعاً ذليلاً من توابعها..
إذا رأيناه- تبعاً لهذا- ينحط في تصوره وذكائه وأخلاقه..
إذا رأيناه يهبط في علاقاته الجنسية إلى أدنأ من درك البهيمة..
إذا رأينا وظائفه الأساسية تعطل وتذوي وتتراجع.
إذا رأيناه يشقى ويقلق ويتحير، ويعاني من القلق والحيرة ما لم يعانيه قط في تاريخه من الشقاء والتعاسة والأمراض العصبية والنفسية والشذوذ والعته والجنون والجريمة..
إذا رأيناه هارباً من نفسه ومن المخاوف والقلاقل التي تلفه بها الحضارة المادية ، والأنظمة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والفكرية.
إذا رأيناه هائما على وجهه يقتل سآمته وملله ، بما يقتل به روحه وجسمه وأعصابه، من المكيفات والخمور، او ما يشبه المكيفات والخمور من الأفكار السود، ومذاهب اليأس الكابي والقنوط الملبس والضياع الأليم.. كما في (الوجودية) وغيرها من مذاهب الفكر التعيسة..
إذا رأيناه يئد نسله، او يبيع اولاده، ليشتري بهم ثلاجات وغسالات كهربائية-كما جاءتنا الأنباء عن أوروبا الضائعة..
إذا رأيناه في مثل هذه الحال النكدة.. فان جميع ما يصل إليه (العلم) في معزل عن (روح الإنسان) من تيسيرات للحياة المادية، ومن رفاهيات حضارية.. لا يغير شيئاً من حقيقة الانحدار الذي تهوي إليه البشرية؛ ومن حقيقة الشقاء الذي تعانيه؛ ومن حقيقة التعاسة التي تزاولها.. ثم.. من حقيقة فشل هذه الحضارة وقرب نهايتها.. ومن ثم حقيقة الحاجة الماسة إلي نظام آخر أصيل، بريء-في أساسه- من العيوب الأساسية التي أفسدت حياة البشر؛ وضيعت عليهم ثمار العلم والمعرفة والتقدم الحضاري.. نظام يسمح للإنسانية بان تحقق غاية وجودها الإنساني-كما أرادها خالقها العظيم- وان تستخدم (العقل) و(العلم) و(التجربة) استخداماً آخر، يتناسق مع احتياجاتها الحقيقية؛ ومع مقتضيات فطرتها الأصيلة.
* * *
لقد انتهى دور الرجل الأبيض.. انتهى دوره سواء أكان روسياً أم أمريكياً، إنجليزياً أم فرنسوياً، ام سويسرياً أم سويدياً.. انتهى لان ذلك (الفصام النكد) في التاريخ الأوروبي، وفي جميع المذاهب والمناهج والنظم والأوضاع التي تقوم في الغرب.. قد حدد بدوره نهاية دور الرجل الأبيض!
إنه لابد من قاعدة من التصور الاعتقادي لكافة المذاهب والمناهج والنظم والأوضاع التي تقوم عليها حياة (الإنسان)..
لابد من تفسير صحيح للوجود، ولمركز الإنسان فيه، ولغاية وجوده الإنساني.. وهذا التفسير الصحيح، وذلك التصور المطابق للحقيقة-كما هي في الواقع لاكما يراها الناس من خلال عدسات عقولهم القاصرة وشهواتهم وأهوائهم وانفعالاتهم المتغيرة- ضرورة من ضرورات (الحياة الإنسانية)..
وهذا ما أغفلته حضارة الرجل الأبيض. بل حاربته حرباً شعواء، يستوي في هذا جميع الأنظمة السائدة في الغرب وفي الشرق جميعاً.
والإنسان هو الإنسان منذ نشأ. انه في حاجة إلى (عقيدة) تعمر قلبه؛ وتنبثق منها تصوراته؛ وتقدم له التفسير الشامل لحياته وللكون من حوله؛ ولعلاقته هو والكون بالخالق الأعلى..(عقيدة) ترسم له أهدافاً اكبر من ذاته، واعم من جيله، وابعد من حاضره، وأرفع من واقعه؛ وتربطه بذات علوية، لها عليه رقابة وسيطرة؛ يحبها ويخشاها؛ ويتقي غضبها ويطلب رضاها؛ وينتظر عونها على الخير؛ ويستحي من مواجهتها بالشر؛ ويرجو جزاءها العادل الكامل، الذي يعوض عليه ما يفوته في صراعه للشر في هذه الحياة الدنيا؛ ويربط حياته كلها بها؛ ويتلقى عنها نظام حياته، ومناهج فكره وسلوكه؛ كما يتلقى عنها شعائر عبادته سواء بسواء.. فتستقيم حياته كلها حزمة واحدة، لا فصام فيها ولا صدام..
ولقد يشغل الإنسان بعض الوقت بجوعة الجسد، وما يتعلق بها من الإنتاج بشتى وسائله وصنوفه، ومن المتاع الحسي بشتى ألوانه ومذاقاته.. ولكن هذه الجوعة وكل ما يتعلق بها لا تستغرق الكينونة الإنسانية. وإشباعها لا يسد سائر الجوعات (الإنسانية). وما أن تهدأ هذه الجوعة حتى تتحرك في الكائن الإنساني جوعة أخرى. جوعة لا يسدها الطعام، ولا يرويها الشراب، ولا يكفيها الكساء، ولا تسكنها كل ضروب المتاع.. إنها جوعة من نوع آخر. جوعة إلى الإيمان بقوة اكبر من البشر؛ وعالم اكبر من المحسوس؛ ومجال اكبر من الحياة الدنيا.. وجوعة إلى الوئام بين ضمير الإنسان وواقعه، بين الشريعة التي تحكم ضميره والشريعة التي تحكم حياته. بين منهج حركته الذاتية ومنهج الحركة الكونية من حوله. جوعة إلى (إله) واحد؛ يتلقى منه شريعة قلبه وشريعة مجتمعه على السواء..
وكل نظام للحياة لا يحقق السعادة للكائن البشري إلا إذا تضمن كفاية هذه الجوعات المتعددة في كينونته الواحدة.. وهذه السمة هي التي خلت منها حضارة الرجل الأبيض!
ولهذا السبب-من وراء كل سبب- انتهى دور الرجل الأبيض..



صَيْحَـــاتُ الخَطــــر
والآن تتعالى الصيحات من هنا ومن هناك ؛ منذرة بسوء مصير البشرية في ظل هذه الحضارة المادية الخاوية من الإيمان خواءها من الروح الإنساني-حضارة الرجل الأبيض- وتتنوع هذه الصرخات.. فتارة تكون نذيراً بانحدار البشرية كلها إلى الهاوية. وتارة تكون نذيراً بانحدارها إلى الماركسية! وتتنوع كذلك الاقتراحات لدرء هذا الخطر او ذاك..
ولكنها كلها تحاول عبثاً.لأنها لا تعالج المشكلة من الأساس. ولا ترجع إلى جذور المشكلة العميقة البعيدة في التربة الأوروبية!
ومن خلال تلك الصيحات، ومن خلال هذه الاقتراحات كذلك يتبين لنا نحن مدى قصر النظر، ومدى العمى النوعي عن الرؤية! في العقلية الغربية!
وإننا نكاد نبصر بهؤلاء الحيارى سجناء في قفص من (العلم)! يشد أقدامهم بالأغلال؛ فإذا أرادوا الوثوب، كان أقصى وثوبهم قفزة في داخل القفص! او سجناء في قفص من (الواقع) يعجزهم عن الاستشراف لما وراءه!
وهي ظاهرة تلقي علينا-نحن أصحاب المنهج الإسلامي- تبعة خطيرة.. إن الإنقاذ الحقيقي للبشرية المهددة في كينونتها الإنسانية، لا يجيء إلا عن طرق تحطيم هذا القفص، والخروج منه، ورؤية الوضع كله من زاوية مستقلة تماماً: وتقديم تصور كلي شامل للمشكلة، واقتراح حلول مبتكرة ، تنبثق من هذا التصور الشامل الجديد.
ولا نريد أن نسبق السياق.. فلنبدأ بإثبات نموذجين من نماذج تلك الصيحات المنذرة بالخطر؛ وتلك الاقتراحات المقدمة من زاوية النظر القصير، او العمى النوعي!
أحد هذين النموذجين لعالم كبير من علماء هذا القرن هو دكتور ألكسيس كاريل. والآخر لسياسي خطير من ساسة هذا الجيل هو مستر دالاس وزير الخارجية الأمريكية..
* * *
كتب دكتور ألكسيس كاريل كتاباً تقع ترجمته العربية في ست وسبعين وثلاثمئة صفحة من القطع المتوسط، بعنوان: (الإنسان ذلك المجهول) ( ) ضمنه شهادة ضد الحضارة المادية القائمة، لقتلها أهم خصائص الإنسان؛ وأطلق فيه صيحة مدوية بالأخطار التي تهدد الجنس البشري من جراء الاعتداء على القوانين الطبيعية، التي لا تدع المعتدين عليها بلا عقوبة؛ وأعلن جهل (العلم) بحقيقة الإنسان. بل بأبسط حقائق تكوينه الجسدي ذاته!
ونحن هنا نقتطف نتفاً من هذه الشهادة؛ ومن صيحة الخطر المدوية فيها؛ ومن اقتراحاته كذلك لتلافي هذا الخطر الداهم:
(إن هدف هذا الكتاب هو أن يضع تحت تصرف كل شخص مجموعة من المعلومات العلمية التي تتعلق بالكائنات الحية في عصرنا. فقد بدأنا ندرك مدى ما في حضارتنا من ضعف.. وكثيرون يرغبون في أن يلقوا عنهم التعاليم التي فرضها عليهم المجتمع الحديث. ولهؤلاء أكتب هذا الكتاب.. كذلك كتبت لأولئك الذين يجدون من أنفسهم شجاعة كافية ليدركوا-ليس فقط ضرورة إحداث تغييرات عقلية وسياسية واجتماعية- بل أيضاً ضرورة قلب الحضارة الصناعية وظهور فكرة أخرى للتقدم البشري… ) (ص 11-12 مقدمة الكتاب)
(إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب، لأنها لا تلائمنا، فقد أنشئت دون أية معرفة بطبيعتنا الحقيقية، إذ أنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية، وشهوات الناس، وأوهامهم، ونظرياتهم ورغباتهم . وعلى الرغم من انها أنشئت بمجهوداتنا إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا...) (ص38)
(لقد أهمل تأثير المصنع على الحالة الفسيولوجية والعقلية للعمال، إهمالاً تاماً عند تنظيم الحياة الصناعية. إذ أن الصناعة العصرية تنهض على مبدأ: " الحد الأقصى من الإنتاج بأقل التكاليف " حتى يستطيع فرد او مجموعة من الأفراد أن يحصلوا على اكبر مبلغ مستطاع من المال. وقد اتسع نطاقها دون أي تفكير في طبيعة البشر الذين يديرون الآلات، ودون أي اعتبار للتأثيرات التي تحدثها طريقة الحياة الصناعية التي يفرضها المصنع على الأفراد، وأحفادهم...) (ص40)
(يجب أن يكون الإنسان مقياساً لكل شيء. ولكن الواقع هو عكس ذلك. فهو غريب في العالم الذي ابتدعه! انه لم يستطع أن ينظم دنياه بنفسه، لأنه لا يملك معرفة عملية بطبيعته... ومن ثم فان التقدم الهائل الذي أحرزته علوم الجماد على علوم الحياة هو إحدى الكوارث التي عانت منها الإنسانية... فالبيئة التي ولدتها عقولنا واختراعاتنا غير صالحة لا بالنسبة لقوامنا ولا بالنسبة لهيئتنا ... إننا قوم تعساء، ننحط أخلاقياً وعقلياً... إن الجماعات والأمم التي بلغت فيها الحضارة الصناعية اعظم نمو وتقدم هي على وجه الدقة، الجماعات والأمم الآخذة في الضعف؛ والتي ستكون عودتها إلى البربرية والهمجية أسرع من عودة غيرها إليها. ولكنها لا تدرك ذلك، إذ ليس هناك ما يحميها من الظروف العدائية التي شيدها العلم حولها… وحقيقة الأمر أن مدنيتنا مثل المدنيات التي سبقتها، أوجدت أحوالاً معينة للحياة من شأنها ان تجعل الحياة نفسها مستحيلة.وذلك لأسباب لا تزال غامضة… إن القلق والهموم التي يعاني منها سكان المدن العصرية تتولد عن نظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية…) (ص44)
(إننا لن نصيب أية فائدة من زيادة عدد الاختراعات الميكانيكية. وقد يكون من الأجدى أن لا نضفي مثل هذا القدر الكبير من الأهمية على اكتشافات الطبيعة والفلك والكيمياء. فحقيقة الأمر أن العلم الخالص لا يجلب لنا مطلقاً ضرراً مباشراً. ولكن حينما يسيطر جماله الطاغي على عقولنا، ويستعبد أفكارنا في مملكة الجماد، فانه يصبح خطراً. ومن ثم يجب أن يحول الإنسان اهتمامه إلى نفسه والى السبب في عجزه الخلقي والعقلي. إذ ما جدوى زيادة الراحة والفخامة والجمال والمنظر وأسباب تعقيد حضارتنا إذا كان ضعفنا يمنعنا من الاستعانة بها فيما يعود علينا بالنفع؟ حقاً انه لمما لا يستحق أي عناء أن نمضي في تجميل طريق حياة تعود علينا بالانحطاط الخلقي، وتؤدي إلى اختفاء أنبل عناصر الأجناس الطيبة) (ص60)
(الإنسان نتيجة الوراثة والبيئة، وعادات الحياة والتفكير التي يفرضها عليه المجتمع العصري.. ولقد وصفنا كيف تؤثر هذه العادات في حسه وشعوره... وعرفنا انه لا يستطيع تكييف نفسه بالنسبة للبيئة التي خلقتها (التكنولوجيا) وأن مثل هذه البيئة تؤدي إلى انحلاله؛ وان العلم والميكانيكا ليسا مسؤولين عن حالته الراهنة، وإنما نحن المسؤولون لأننا لم نستطع التمييز بين الممنوع والمشروع…
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب ( المستقبل لهذا الدين 5) لسيد قطب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الملتقى الحر للسودانيين بالكويت :: المنتدى الديني-
انتقل الى: