يا بني إن الناس قد أجمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا ولا من جمعوا له وإنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجراً فأوف عملك واستوف أجرك ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتى سمنت فكان حتفها عند سمنها ولكن اجعل الدنيا بمنزلة القنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر أخربها ولا تعمرها فانك لا تؤمر بعمارتها، واعلم انك ستسأل غداً إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع شبابك فيما أبليته وعمرك فيما أفنيته وما لك من أين اكتسبته وفيما أنفقته فتأهب لذلك وأعد له جواباً ولا تأس على ما فاتك من الدنيا فان قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه وكثيرها لا يؤمن بلاؤه فخذ حذرك وجد في أمرك واكشف الغطاء عن وجهك وتعرض لمعروف ربك وجدد التوبة في قلبك واكمش في فراقك قبل أن يقصد قصدك ويقضى قضاؤك ويحال بينك وبين ما تريد.
(يا بني) لان يضربك الحكيم فيؤذيك خير من أن يدهنك الجاهل بدهن طيب.