شكراً لكل وافد جاء أو عاش في هذا البلد ولو لم يفعل سوى أن دق مسماراً في لوحة إرشادية على جانب طريق مظلم"،
ثمة أسئلة لا بد لبقايا القومية، إن ما زال لها بقية، أن تفرضها. أحد تلك الأسئلة: منذ متى استمرأ العربي كل هذه الانتقاصات لشقيقه العربي؟ ومنذ متى طفت على السطح كل تلك التهكمات من نكات ومقاطع أفلام ومسلسلات بل وحتى برامج تلفزيونية، لتجعل من هذا الشقيق العربي "مضحكة" ومادة للتندر واختلاق الكوميديا؟
تعنّ على البال في هذا المقام قصتان روتهما صديقتان عربيتان، إحداهن كانت تتحدث ذات مرة عن موقف تراه هي "طريفاً"، عندما اختار أخوها وزملاؤه التسلية في آخر يوم امتحانات، فما كان منهم إلا أن اشتروا طبق بيض كبير، ليهمّوا بعدها برجم البيض من النافذة على أي مغترب عربي يرونه في الشارع!
هنا لا بد من الاعتراف بحقيقة أن كثيرا، إن لم تكن معظم، العائلات العربية باتت تنزلق في فخ الغطرسة والتعالي على الجنسيات العربية ، لتكون النتيجة تشييع ضميرهم القومي إن كان موجوداً يوماً، وترسيخ الصورة النمطية الجائرة، ما خلّف جيلاً أقل ما يوصف به أنه جيل "مسخ" لم تعد له أية هوية عربية أو قومية محددة.
فيما الموقف الثاني تتمثل فيه سخرية الأقدار في بلاد يعرب، عندما يُعطى الأجنبي الحقيقي (الغربي) حقوقاً وامتيازات، بل وحتى احتفاء ومجاملات في التسمية عند عيشه في أي بلد عربي، مقابل التضييق والتجريح غير القليل للشقيق العربي، سواء أتى للدراسة أم العمل أم حتى السياحة. كان ذلك عندما روت إحدى الصديقات كيف تعنتت شركتها المرموقة في إعطائها إجازة أسبوعين لظرف زفافها، فيما زميلتها الغربية أُعطيت على الفور إجازة لنفس المدة كي تسافر لإحدى الدول لتتبع ظاهرة خسوف القمر! عدا عن الراتب الذي يفوق الضعف رغم مؤهلاتها العلمية الأقل من زميلاتها العربيات!
قضية عدم الاحتفاء بالشقيق العربي هي قضية قومية بحتة، إذ إن اندثار هذه القومية المرتبطة في الأذهان بـ "الجعجعات" والخطابات التعبوية التي تكسرت على وقع الهزائم وخصوصا نكسة 1967، جعل منها مجرد ثاوية خجلى لا تجرؤ حتى على تذكير الناس بمشروعها العظيم لو كان تحقق على أرض الواقع.
كذلك هو الصوت الأميركي وربيبه الإسرائيلي المدلل، اللذين باتا مجلجلين على الساحة العربية، واللذين لم يفتئا يتهمان عبر قنوات تعبير عدة أية نداءات قومية ووطنية بـ "الإرهابية"، التي تسبح عكس تيار التعايش وتقبل الآخر، ما جعلها تترسخ في أذهان العالم العربي بسبب كل تلك العوامل ضمن خانة "الشعاراتية" التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والتي جرّت ويلات فاقت كل تصور.
لعل إعادة الاعتبار للغة العربية الفصحى على منابر التعليم والإعلام كافة، لَهُوَ الأساس لأي مشروع فيه إعادة نفخ للروح في القومية العربية المجمدة، يقابله "إخراس" صارم وحاسم لأي أصوات عربية أو غربية تعزف على أوتار الغطرسة والفُرقة، أو تلك التي تتمترس خلف ادعاءات طائفية ودينية منتزعة من سياقها لإجهاض مشروع القومية العربية بذرائع واهية.
ستبقى أحلام الوحدة العربية والسوق العربية المشتركة والحدود العربية المفتوحة، محض أحلام وأوهام ما بقي العربي قادراً على الخلود إلى النوم قبل أن يطمئن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً على شقيقه العربي في بقاع المعمورة.شكرا اخى ودالشريف لاختيارك هذا الموضوع