احمد محمد الامين: المثقف يعاني من تناقض تجاه المرأة

عن صحيفة الخرطوم اليومية

يعتبر احمد محمد الامين من الاصوات الادبية الجريئة في ستينيات القرن الماضي، وقد اثارت مجموعته القصصية (عود الكبريت) رد فعل عاصف في اوساط المثقفين ، والمهتمين بالادب.. وفي العام 1985م، صدرت له عن دار البحار بيروت رواية (الموج والصخر) والتي قدم له الناشر فيها بقوله: (اديب ملتزم بقضية الانسان ينبذ الاضطهاد العنصري ويدعو للمساواة في الاخوة الانسانية)، وحول اعماله الادبية الاخرى، التي نشرت مثل مجموعة الخيط الاسود، والتي لم تنشر بعد، (مجموعة كي يشقيه الظل)، كان لنا معه هذا الحوار والذي قدم فيه وجهة نظره حول الكتابة والمجتمع وتجربته الابداعية... ü نريد ان تعيد تقديمك : عمنا واديبنا الدبلوماسي احمد محمد الامين خريج الاقتصاد والسفير والاديب . كيف كانت مراحل تعليمك الاولى وبدايات الاديب؟ - انا درست الاقتصاد بجامعة الخرطوم( 1953 - 1957) ، وبالمناسبة انا اخترت الاقتصاد لأنه يؤدي مباشرة الى الخارجية وكان هذا هدف اساسي بالنسبة لي... الادب، او الكتابة الادبية شيء يجري في دمي ففي الابتدائية كنت رئيس الجمعية الادبية في حلفا القديمة، وفي المدرسة المتوسطة كان عندي جريدة حائط باللغة الانجليزية ، وفي حنتوب العليا فزت بجائزة احسن قصة ، وفي جامعة الخرطوم اصدرت جريدة حائطية اسمها الوعي.. ü لديك ميول سياسية اذن..؟! - لا مطلقا، انا رجل قومي كنت وما زلت قوميا... ü مؤكد ان العوامل التي شكلت كل الادباء قد شكلت الاديب احمد محمد الامين؟ - نعم كنت شغوفا بالقراءة الي ابعد حد.. لا اظن احد اعداد روايات الجيب قد فاتني، واقرأ، والادب العربي القديم، وقرأت يوسف السباعي واحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ ويوسف ادريس اضافة الي التجارب الحياتية.. لقد زادت تجاربي العملية في الحياة من قدراتي الادبية. فبعد تخرجي مباشرة التحقت بشركة شل وكنت اسافر في الاقاليم ، الشمالية والجزيرة وجوبا، وكنت اختزن كل هذه الخبرات والتجارب، اضافة الي المامي بلغات اجنبية، غير الانجليزية فانا قد قرأت معظم اذ لم اقل كل الادب الروسي باللغة الروسية التي اجيدها، ودراستي للتاريخ ايضا قد ساعدت علي توسيع منظوري الادبي والعام.. وقد ظهر هذا بوضوح في رواية الموج والصخر.. ü هل تذكر اول قصة نشرت كل ؟ وردة فعلك وقتها؟ - انا اكتب القصة والرواية والسيناريو، واكتب للصحافة، وعندي كتاب باللغة الانجليزية عن الاسلام سيصدر قريبا: الاسلام والديانات الاخرى، دراسة مقارنة، لقد ذكرت كل هذا للتوضيح. اما بالنسبة للنشر، فقد كنت اكتب في الرأي العام ، وكان المشرف هو حسن نجيلة.. كان ينشر لي باستمرار.. وكان عندي قصص تذاع في الاذاعة، ركن القصة، في الستينات، وكنت انشر ايضا في صحيفة العاصمة الاسبوعية وقد توجت كل هذا النشر بمجموعة (عود الكبريت وهي مجموعتي القصصية الاولى، عن دار المكشوفة بيروت وكانت الطبعة الاولى العام 1967). ü اثارت هذه المجموعة ردود افعال في حينها هل تذكر؟ - نعم في دراسة عنها كتب محمد الحسن فضل المولي انها مجموعة قصصية جريئة وواقعية.. وقام باجراء مقارنة بين المواضيع التي عالجتها قصص المجموعة ومجموعة ريش الببغاء للكاتب عيسى الحلو.. وكتب الاديب الراحل جمال عبدالملك (ابن خلدون) عن المجموعة باحتفاء مؤكدا ان للكاتب الحق في التعبير عن وجهة نظره الابداعية.. واعتبر عبدالقدوس الخاتم ان القصص في مجملها قصص عامرة بالحسية.. واذكر ان جريدة (آخر لحظة)، قد اقامت محكمة ادبية للمجموعة.. اذكر ان (الريفي) كان هو المشرف وقاموا بتقييم للمجموعة، كانت محاكمة ادبية لطيفة.. ü في المجموعة ، عود الكبريت، وفي مجموعتك القصصية الخيط الاسود، هناك اهتمام كبير، وغالب، بقضية المرأة ، والجنس والشرف؟ - المجتمع وقتها كان شبه منفصم من ناحية (النوع - الجندر) وانا ككاتب كان لابد ان اتصدى لعلاج المشاكل الاجتماعية. ü ولماذا اختيار الجنس والشرف كوسيلة لعرض قضية المرأة؟ - كانت هذه القضايا تؤرق المجتمع ولا زالت ، واريد ان اوضح انني لم اهدف الي هذا من اجل الاثارة. انا اطرح القضية الاجتماعية من ناحية ايجابية بحيث تنتصر الفضيلة دائما .. ü في رواية الموج والصخر حاولت ان تناقش قضية الصراع بين الحضارة الغربية والحضارات الاخرى من خلال معالجة موضوع التمييز العنصري . هذا قريب من موضوع الطيب صالح .. في روايته.. المشهورة موسم الهجرة للشمال؟ - الطيب صالح حاول ان يقدم اعتذرا للعالم الغربي عن تصرفات الرجل الشرقي.. يعتذر عن تخلفه الحضاري.. وهذا لأنه يأخذ الإلهام من الحضارة الغربية.. اما بالنسبة لي انا فاقوم بالتعامل معهم بندية (كتف بكتف).. ü كتب د. محمد ابراهيم الشوش: ان قصة الدهشة الكبرى لأحمد محمد الامين تمثل تناقض المثقف السوداني بين رغبتين: ان تكون له زوجة تقليدية محافظة او زوجه معلمة متحررة.. ما تعليقك؟ - هذه القصة كانت من ضمن القصص التي فازت ونشرت في كتاب تصدع، دار النشر جامعة الخرطوم، وما ذهب اليه د. الشوش صحيح، فبطل القصة لم يتحمل زوجته الاولي التقليدية ، ولم يتحمل الثانية المتحررة او قل لم يتحمل تحررها وهذا حال المثقف عندنا وهي الآن اشد عنفا لأن المرأة اصبحت اكثر تحررا .. ü هل لديك تكنيك معين تتبعه في الكتابة؟ - انا اكتب السيناريو.. الفلم، والمسلسل، وحينما اكتب القصة فان الصورة العامة تكون واضحة في ذهني، ومثلي مثل اي كاتب فالفكرة تختمر في ذهني وفي خيالي توقف ، غير محدد تم اقوم باعادة انتاجها! ü وعلاقتك باللغة التي تكتب بها افكارك؟! - اسعى دائما الى لغة بسيطة . والهدف هو ان يتابعني .. القاريء يميل الي ان نبسط له اكثر... اللغة اليومية المتداولة .. ü في غالبية القصص نجد النهاية وعظية اكثر منها فنية.. الا تعتقد ان هذا تدخل (مباشر) من الكاتب؟ - مثل ما اسلفت لك انا ككاتب قصة اقوم بتسليط الضوء علي حالة اجتماعية بعينها وانا استخدم المصطلح الادبي (اظهار الفضيلة في الآخر) poeatic justice وهي ان الخير والفضيلة لابد ان ينتصران في آخر الامر، وبالمناسبة هذا لا يتحقق في الواقع، ولكن دور الادب ان يقوم (بهداية) المجتمع وقيادته ليتسلح بالسلاح الاخلاقي.. ü هل استخدام الصور الحسية في قصصك هو حيلة فنية لتوصيل وجهة نظر وضرورة فنية يفرضها العمل الفني ام تدخل من الكاتب؟ - هذه صور لمشهد وليس الحدث ذاته. ولكننا تعودنا ان نتعامل مع هذه الصور بحساسية سواء كانت في قصص او في تمثيلية او فلم - انا واع تماما بأن وجود المرأة لا يتطلب الرذيلة او يؤدي اليها كما انها ليست ابدا تقود الي فقدان الشرف... لكن كما اسلفت المجتمع يعاني من مشاكل انفصام وتأخر اجتماعي.. - هل ترجمة اعمالك الى لغات اخرى؟ - لا ... - وباقي الاعمال الادبية؟ - لدى مجموعات اخرى لم تطبع بعد، وبعض القصص قد تحولت الى تمثيليات اذاعية وتلفزونية.. قصة (صوت المدق، تحولت الى فلم تلفزيوني وذلك في العام 1972م. - هل ما زلت تكتب..؟! بالتأكيد.. فالاديب لا يتوقف عن الكتابة ، ولكن الذي يشغلني الآن اكثر هو طباعة انتاجي الادبي الجاهز للوصول للقارىء.